آثار ملوحة الأحواض النهرية على المدى البعيد

تعد مشكلة ارتفاع نسبة الملوحة في التربة والأنهار وجداول المياه قضية بيئية عالمية، ومع ذلك فإن الجهود المبذولة لفهم الآثار طويلة الأمد لملوحة الأنهار على التربة والمناخ ما زالت قليلة.

وفي هذا الإطار، توصل باحثون من جامعة خليفة من خلال التحليل الذي أجروه إلى أن ملوحة التربة الناجمة عن تراكم الأملاح فيها تؤثر في الطريقة التي تتفاعل بها الأحواض النهرية والهيدرولوجيا المتعلقة بها مع المناخ.

وأثبتت الدراسة التي تم نشرها في المجلة العلمية المرموقة "بروسيدنغز أوف ذا ناتشونال أكاديمي أوف ساينسز أوف ذا يونايتيد ستيتس أوف أميريكا" أن الملوحة تساهم في جفاف الأحواض النهرية مما يحد من قدرة النبات على امتصاص المياه من التربة وإعادتها إلى الغلاف الجوي أو ما يُعرف بعملية النتح.

وفي هذا الصدد، قال الدكتور سافيريو بيري، باحث ما بعد الدكتوراه في الهندسة البيئية والبنية التحتية المدنية في جامعة خليفة والكاتب المشرف على الدراسة: "تمثل عملية النتح الطريقة الأساسية التي يتم من خلالها نقل المياه من التربة إلى الغلاف الجوي والذي يؤثر بشكل فعال على المناخ. فحينما تتراكم الأملاح في التربة، تقل فعالية الخاصية الأسموزية بحيث يصعب على النباتات امتصاص المياه إلى الأعلى عبر الجذور والذي يعيق بدوره عملية النتح بشكل تدريجي، مما يؤثر على دورتي المياه والطاقة في اليابسة والغلاف الجوي".

وأضاف الدكتور سافيريو: "تختلف استجابة النباتات لملوحة التربة من نوع إلى آخر، حيث يمكن لنباتات الهالوفايتس أن تنمو في تربة مالحة نظراً لخصائصها الهيدروليكية التي تمكنها من مقاومة الضغط الملحي مع المحافظة على خاصية النتح والتي تفتقر لها العديد من النباتات. ووفقاً لذلك، تؤثر نسبة مقاومة النبات للملح بشكل واضح على الكيفية التي يتم من خلالها تبادل المياه في الغلاف الجوي والمناخ".

من جانبها، قالت الدكتورة أناليزا موليني، الأستاذة المشاركة في الهندسة المدنية والبيئية في جامعة خليفة، والكاتبة المشاركة في هذه الدراسة: "يجدر بنا أخذ حجم الظاهرة بعين الاعتبار، حيث ارتفع معدل الملوحة في الأنهار بشكل كبير خلال العقود القليلة الماضية والذي شكل قضية بيئية عالمية. ووفقاً لتقديراتنا، وجدنا أن ملوحة الأحواض النهرية تؤثر على أكثر من ثلث تجمعات المياه حول العالم، والتي تعتبر مساحة شاسعة تقدر بملايين الهكتارات، حيث تحد تلك الملوحة من خصوبة التربة، إضافة لتأثيرها الكبير على الطاقة الهيدروليكية والمناخ بشكل عام".

وأضافت الدكتورة موناليزا: "تشكل غالبية الأحواض النهرية المتأثرة بالملوحة نسبة كبيرة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وأستراليا، والتي تشهد جميعها جفافاً وتدهوراً في الأراضي الزراعية وضعفاً في نوعية التربة وتغيراً في المناخ. وعلى الرغم من الأبعاد العالمية للمشكلة، لم يتم إدراج آثار الملوحة ضمن الأنظمة المناخية لأن تلك الأنظمة غير قادرة على الفصل بين أنواع النباتات ذات الخصائص الهيدروليكية المختلفة. وتوفر دراستنا آلية أساسية في فهم كيفية تدخل الملوحة في توازن نسبة المياه في التربة المحلية من جهة، والتفاعلات بين اليابسة والغلاف الجوي من جهة أخرى، والذي يعتبر خطوة أولى تجاه إدراج آثار الملوحة في المنظومة المناخية".

وفي السياق، قام فريق بحثي من جامعة خليفة يضم الدكتور سافيريو والدكتورة أناليزا والدكتور براشانث ماربو، الأستاذ المشارك في الهندسة الكهربائية وعلوم الكمبيوتر وبالتعاون مع باحثين من جامعة بادوفا ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وهيئة الإطفاء الريفية لولاية نيو ساوث ويلز في أستراليا، بتطوير نظام جديد لتحديد نسبة توازن المياه في التربة في الأحواض النهرية المالحة، وتكمن أهمية هذا النظام في قدرته على بيان آثار الملوحة ومدى مقاومة النبات لها.

وقال الدكتور سافيريو: "يعتبر هذا النموذج في غاية الأهمية، فبالرغم من بساطته، إلا أنه قادر على التركيز على محاور العملية الرئيسة، بما في ذلك استجابته لمختلف أنواع النباتات، كما ويمكن الاستفادة من هذا النموذج في تطوير استراتيجيات الهندسة العكسية للحد من نسبة الملوحة بالاعتماد على مقاومة النبات للملح، والذي يمهد الطريق أمام مجموعة كبيرة من التطبيقات التي قد تساهم في علاج مشكلة الملوحة من منظور بيئي هيدروليكي".

يذكر أن كتابة الورقة البحثية ضمت مشاركة الدكتور سمير صويص من جامعة بادوفا والدكتورة دارة إنتخابي من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والدكتور أليكس هولمز من هيئة الإطفاء الريفية لنيو ساوث ويلز، كما قامت كل من دائرة التعليم والمعرفة في أبوظبي وجامعة بادوفا بتقديم الدعم لهذا المشروع البحثي.