أثر العواصف الرملية على المناخ في منطقة شبه الجزيرة العربية

تعتبر منطقة شبه الجزيرة العربية إحدى أكثر المناطق التي تشهد حدوث العواصف الرملية على مدار العام في العالم، حيث تساهم بنسبة كبيرة من مجموع كمية الرمال في النصف الشمالي من الكرة الأرضية. وفي دولة الإمارات، تحدث العواصف الرملية بشكل متكرر، حيث يتراوح معدل حدوثها ما بين 15 إلى 20 عاصفة في العام الواحد والتي تؤثر بدورها على جميع جوانب الحياة والسكان ومنظومة المياه البحرية والمناخ.

من ناحية أخرى، لا يوجد معلومات كافية عن أسباب تشكل معظم العواصف الرملية خلال أشهر فصل الصيف على وجه الخصوص. لذلك، تم تشكيل فريق بحثي من جامعة خليفة بهدف تحقيق فهم أفضل لهذه الظاهرة من خلال فحص كثافة حركة الرمال التي حدثت في يوليو 2018.

وفي هذا الصدد، قام مجموعة من أساتذة جامعة خليفة وهم، الدكتورة ديانا فرانسيس، عالمة أولى في البحوث والدكتور نارندرا نيللي، باحث ما بعد الدكتوراه والدكتور مروان تميمي، الأستاذ المشارك في الهندسة البيئية والبنية التحتية المدنية، بنشر استنتاجاتهم المتعلقة ببحوث المناخ إلى جانب عدد من الباحثين وهم، الدكتور جان بيير شابورو من جامعة تولوز الفرنسية والدكتور جوان كويستا من جامعة باريس إيت كريتيل الفرنسية ونور الشامسي من المركز الوطني للأرصاد الجوية والدكتور أوليفير بولويس من جامعة نيويورك، إضافة للدكتور لولين إكسو من المركز الوطني الأمريكي لبحوث المناخ. وقد قام الفريق البحثي ببحث الحقائق المتعلقة بالعواصف الرملية التي حدثت في يوليو 2018 بهدف تحديد ديناميكيات الغلاف الجوي وتقييم الآثار الإشعاعية للرمال على السحب والأمطار.

من جانبها، قالت الدكتورة ديانا: "تلعب الرمال دوراً هاماً في المنظومة المناخية، حيث تقوم بتشكيل نوى التكاثف والنوى الجليدية والذي يحدث تغييراً على خصائص السحب وتطورها وبالتالي التأثير على عملية هطول الأمطار".

وتؤثر كمية الرمال العالقة في الهواء على الأثر الإشعاعي من خلال امتصاصها للموجات الإشعاعية القصيرة والموجات الإشعاعية الطويلة وإعادة إطلاقها من جديد والذي له العديد من التداعيات على الديناميكيات المناخية الحرارية تتمثل بالتأثير على درجة الحرارة والرياح وهطول الأمطار محلياً.

وأضافت الدكتورة ديانا: "تتفاعل ذرات الرمال العالقة والمنتشرة في الهواء مع الإشعاع الصادر عن الشمس وتزيد من كمية المياه في الغلاف الجوي مسببةً الاحتباس الحراري الذي يرفع من درجة حرارة اليابسة ويزيد من نسبة الرطوبة في الجو، كما يؤثر ذلك على تطور خصائص الحالة الجوية".

وعلى الرغم من أن ذرات الرمال المنتشرة في الغلاف الجوي تحد من كمية الطاقة الشمسية الواصلة إلى سطح الأرض عبر امتصاصها، إلا أن هذه العملية تساهم بشكل مباشر في رفع درجة حرارة الغلاف الجوي المليء بذرات الرمال التي تقوم بإطلاق موجات إشعاعية طويلة تجاه سطح الأرض مسببةً ارتفاع في درجات الحرارة المحلية حسب الموقع الذي تتشكل فيه طبقة الرمال في الجو والذي قد يكون فوق مسطحات مائية أـو أراض زراعية أو صحراوية.

وقالت الدكتورة ديانا: "يصعب تقييم آثار العواصف الرملية على المناخ نظراً لطبيعة العواصف الرملية غير المحددة، وهو ما جعلها غير مدرجة بالتوقعات المتعلقة بالمناخ في المستقبل بالشكل المطلوب، فالنماذج المناخية العالمية الحالية لا تركز على التأثير الحراري للرمال، ولا على الكمية الحقيقة لذراته المنتشرة في الغلاف الجوي".

وتركز الدكتورة ديانا على السبب الذي يجعل الانبعاثات الرملية تبلغ ذروتها في فصل الصيف في شبه الجزيرة العربية، حيث قالت: "يشير بلوغ الرمال المتطايرة مرحلة الذروة إلى وجود مكانيكية غير معروفة حتى الآن لكنها تعد ميكانيكية في غاية الأهمية، حيث أثبت تكون الأعاصير وجود ميكانيكية للانبعاثات الرملية في المناطق القاحلة قادرة على إنتاج عواصف رملية كبيرة، الأمر الذي لم يتم تسليط الضوء عليه كما يجب".

وقد تشكلت الأعاصير في الجزء الجنوب الغربي من دولة الإمارات في يوليو من العام 2018 والذي نتج عنه انبعاثات رملية كثيفة في جميع أنحاء دولة الإمارات وفي منطقة شمال غرب عُمان نتيجة وجود رياح أعاصيرية.

وأضافت الدكتورة ديانا: "ظهرت آثار واضحة للرمال على السحب تمثلت بمقاييس إشعاعية بدرجة حرارة تصل إلى 10 سيليسيوس في فترة الليل بشكل خاص. وفي اليوم التالي لتكون الأعاصير، تبدأ السحب بالتشكل في الجزء الأعلى حرارة من الإعصار والذي ينجم عنه تشكل الأمطار المحلية في الجنوب الغربي من دولة الإمارات، ومع زيادة الأعاصير تزداد نسبة بخار الماء الصادر عن مياه بحر الخليج العربي وبحر العرب وبالتالي ترتفع نسبة الأمطار".

وفي السياق، توصل الباحثون إلى أن الرمال المتطايرة فوق المناطق الغنية بالرمال يؤثر تأثيراً حراراياً كبيراً على السطح وفي الغلاف الجوي خلال فترة الليل، كما سلطت نتائجهم الضوء على أهمية الدور الذي تلعبه الرمال المتطايرة في المنظومة المناخية في شبه الجزيرة العربية، مؤكدةً على التركيز على أثر العواصف الرملية في جودة الهواء وأنظمة التنبؤ بحالة الطقس لتحري الدقة في فهم الظاهرة.

وأضافت الدكتورة ديانا: "يجب أخذ الرمال بعين الاعتبار عند تصميم وإجراء عمليات بذر السحب داخل الدولة نظراً لما قد تحدثه دورة الرمال من آثار قد تعيق عملية تطور تلك السحب. وتعتبر الكثبان الرملية جزء طبيعي شبه دائم في منطقة شبه الجزيرة العربية، والتي تؤثر بشكل واضح وكبير على المناخ والبيئة في تلك المنطقة".