حملات مكافحة الجراد خلال الحرب العالمية الثانية

لا يمكن للجرادة وحدها ذات الحجم والوزن الصغيرين واللذين لا يتعدان حجم ووزن الدبوس الورقي أن تحدث أضراراً إلا إذا كان الجراد في أسراب.

وفي هذا الصدد، وضح الدكتور أثول ياتيس، الأستاذ المساعد في الأمن المدني والدولي في جامعة خليفة، في ورقته البحثية التي نُشرت في قسم (تريبولوس) من المجلة العلمية "التاريخ الطبيعي للإمارات" مجموعة من الحقائق غير المعروفة حول حملة مكافحة الجراد واسعة النطاق في شبه الجزيرة العربية والتي تضافرت فيها الجهود العسكرية والمدنية معاً.

وقال الدكتور أثول: "يعتبر الجراد الصحراوي من أكثر أنواع الحشرات تأثيراً على الزراعة نظراً لقدرته على تشكيل العديد من الأسراب والمجموعات التي تأكل جميع ما تجده في طريقها. وقد تسبب الجراد بحدوث أضرار كبيرة في شبه الجزيرة العربية، حيث قضت على ما نسبته %85 من المحاصيل الزراعية في منطقة ساحل عُمان في العام 1958".

وتحدث مشكلة الجراد من فترة لأخرى قد تصل لعدة سنوات، وتعتبر دولة الإمارات مكاناً لتكاثره، حيث قال الدكتور أثول: "بدأت الجهود العلمية لمكافحة آفات الجراد في مطلع العام 1900، إلا أن نقص المعرفة الكافية بماهية هذه الحشرات حالت دون نجاحها. وخلال العام 1930، تم بذل المزيد من الجهود لجمع المعلومات للتعرف على أماكن تكاثر الجراد الموسمية واتجاهات الأسراب المهاجرة".

وقبل أن تبدأ حملات مكافحة الجراد على يد الجيش البريطاني، ظهرت العديد من المشكلات خلال عملية التصدي لأسراب الجراد. تظهر مجموعات الجراد بشكل دوري في سنين متعددة يفصل بين كل دورة وأخرى فترة ينقطع الجراد فيها عن الظهور، حيث باشرت الدول بالتصدي للمشكلة عند ظهور الجراد والذي أدى إلى تأخر في الاستجابة نتيجة عدم كفاية الإجراءات المتخذة بين الدورات لمنع حدوثها. وبما أن آفة الجراد تتعدى حدود الدول، فإن ذلك يتطلب تضافر الجهود الدولية في مكافحة هذه المشكلة. إضافة لذلك، تم تطوير مادة كيميائية سامة في أوائل عام 1940 لمواجهة الجراد.

وأضاف الدكتور أثول: "استخدمت أول مادة كيميائية سامة وفعالة في العام 1942 للسيطرة على أسراب الجراد، حيث يتم خلط مادة زرنيخ الصوديوم مع نخالة القمح ويتم وضعها في مسار صغار الجراد، فعندما تتناولها وتفنى يحد ذلك من عملية تكاثر الجراد وبالتالي القضاء عليه".

وخلال الحرب العالمية الثانية التي اندلعت عام 1939، انتشر الجراد في منطقة شبه الجزيرة العربية عام 1941 والذي استمر لمدة 7 سنوات، مما شكل خطراً بات يهدد استقرار المنطقة.

وفي السياق، قامت بريطانيا بتشكيل وحدة مكافحة الجراد في الشرق الأوسط في العام 1943 والتي أولتها مهمة القضاء على أسراب الجراد من مصدرها، وساهم في نجاح الحملة وجود تنسيق بين الدول وكذلك توفر المساعدات اللوجستية من الجيش البريطاني، كما ساهم التعاون الدولي والجهود المتضافرة في تحقيق هذه المهمة، لا سيما في مجال إجراء البحوث المكثفة والمؤتمرات الدولية اللازمة لتطوير خطة واسعة النطاق لمكافحة الجراد في منطقة الشرق الأوسط.

قال الدكتور أثول: "ركزت مقاييس مكافحة الجراد على حماية المحاصيل الزراعية حتى مطلع العام 1940، حيث تطلبت استراتيجية حماية المحاصيل الانتظار لحين وصول مجموعات الجراد بالقرب من المحاصيل ومن ثم القضاء عليها. وعلى نقيض ذلك، ركزت منهجية وحدة مكافحة الجراد في الشرق الأوسط على إرسال مجموعات استكشافية إلى الصحراء وتحديداً إلى مواقع انتشار أسراب الجراد بهدف القضاء عليها، والذي يتطلب تخطيطاً وتنسيقاً صحيحاً للحفاظ على استمرارية العمل وكفاءته وفعاليته.

وفي أعقاب العام 1944، قل ظهور آفة الجراد بشكل ملحوظ ولكن بقي خطره في ظل الحرب. فبينما اعتبرت مكافحة الجراد أولوية قصوى، كان هناك طلب كبير على المعدات والأفراد العسكريين في مناطق أخرى والذي حال دون مشاركتهم في حملات مكافحة الجراد في المنطقة. واتجهت الأنظار خلال السنوات التي عقبت الحرب نحو التركيز على الجهود المحلية أكثر من التعاون الدولي، حيث لم تكن هناك رغبة بإبقاء حملة مكافحة الجراد في المنطقة تحت إشراف الجيش البريطاني.

وأضاف الدكتور أثول: "قام الرحالة والكاتب الإنجليزي ويلفرد ثيسيجر بإجراء بحث في الجراد لتلبية رغبته في استكشاف المنطقة، حيث قام بجمع المعلومات حول الظروف البيئية في منطقة جنوب شبه الجزيرة العربية لمعرفة ما إذا كانت تلك الظروف تساهم في تكاثر أسراب الجراد. وبدأت أول رحلة لويلفريد في مدينة صلالة العمانية في أكتوبر من العام 1945 ومن ثم جال في الحدود الجنوبية الشرقية من الربع الخالي والمنطقة المحيطة بها والتي تشمل عُمان واليمن والسعودية، حيث قام بتوثيق المعلومات حول تكاثر الجراد والأمطار الموسمية والغطاء النباتي".

وقامت كل من بريطانيا وباكستان في الفترة ما بين 1950 و1960 بدعم جميع أنشطة مكافحة الجراد في منطقة الإمارات المتصالحة، واليوم تتولى وزارة التغير المناخي والبيئة في دولة الإمارات مسؤولية مكافحة الحشرات.

قال الدكتور أثول: "لم يتم توثيق دعم الجيش البريطاني لحملة مكافحة الجراد خلال الحرب العالمية الثانية في تاريخ المنطقة كما يجب، كونه تغاضى عن العديد من المساهمات التي قام بها الجيش في تلك السنوات فيما يتعلق بصحة الأفراد ومستواهم المعيشي، إضافة لفوزهم في الحرب العالمية الثانية".