تسليط الضوء على الطريقة التي تشكل فيها المناطق متوسطة ومنخفضة الارتفاع مستقبل الطاقة المستدامة
بحث من جامعة خليفة يكشف عن تحول ديناميكا الطاقة في المناطق الحضرية إلى نماذج طاقة مجتمعية

يستهلك قطاع المباني نسبة كبيرة من الاستخدام العالمي للكهرباء ويلعب دورًا محوريًا في الاستدامة الحضرية. وفي السياق، يشهد مفهوم المباني التي لا تستهلك الطاقة فحسب، بل تنتجها أيضًا، تحولًا ملموسًا نحو مشهد حضري أكثر استدامة، في الوقت الذي تمثل فيه المباني مستهلكات ثابتة ومستهلكات"ديناميكية للطاقة.

 

يسلط بحث جديد من جامعة خليفة بالتعاون مع جامعة كارلتون الكندية، الضوء على أداء المناطق الحضرية المختلفة ضمن مصفوفة الاستهلاك والاكتفاء الذاتي وفائض الطاقة، حيث قام كل من الدكتور أحمد مياس، الأستاذ المساعد في العلوم الإدارية والهندسة، وطالبَي الدكتوراه أسامة مصور وراهول راجيفكومار أورس، بدراسة أداء الطاقة الحضرية في ظل إعدادات تكوين مختلفة للمباني المنتجة المستهلكة، ونُشرت أعمالهم في المجلة العلمية"سستاينبل سيتيز أند سوسايتي"، وهي واحدة من أفضل 1٪ من المجلات العلمية في مجالات الهندسة المدنية والإنشائية والجغرافيا والتخطيط والتطوير، فكشف مشروعهم البحثي عن أن تبنّي هذه المناطق نموذج الطاقة المجتمعية، يعزز معدلات الاستهلاك الذاتي، ويُقرّبها أيضًا من مستوى الاكتفاء الذاتي للطاقة.

 

يشير نموذج الطاقة المجتمعي إلى نظام يشارك فيه المستهلكون المحليون للطاقة - سكان حي أو مجموعة من المباني أو منطقة بأكملها - مشاركة جماعية في توليد الطاقة وتوزيعها واستهلاكها، فيمثل هذا نهجًا لامركزيًا لإنتاج الطاقة وإدارتها كما يمكن أن يتمثل في مبادرة بسيطة كتركيب الألواح الشمسية على أسطح جميع المباني داخل المجتمع، بدلًا من الاعتماد على محطات الطاقة المركزية الكبيرة والدور الاستهلاكي.

 

ومن جهته قال الدكتور أحمد: "لقد درسنا التأثير  الخاص للشكل المبني على إمكانات الأداء للمجتمعات الحضرية للطاقة، والتي تصب في تحقيق أهداف الاستدامة مثل صافي الانبعاثات الصفرية والاكتفاء الذاتي، حيث استخدمنا نموذجًا قائمًا على الوحدة يجمع بين الطلب على الطاقة وإمداد المباني بالطابع الحضري ويأخذ في الاعتبار كلًا من المجتمع والأنماط الفردية لإمدادات الطاقة والطلب عليها في المناطق الحضرية."

 

وتشهد البحوث اليوم تحولًا من التركيز على المباني الفردية الموفرة للطاقة إلى التركيز على البحوث المتعلقة بالأهداف الطموحة للاستدامة على المستوى الحضري مثل المجتمعات التي لا تستهلك طاقة والمناطق التي لا تستهلك طاقة بل تنتجها. وتتمحور هذه المفاهيم حول عملية الفهم أن بيئة المباني هي تركيبة معقدة تتكون من شكل المبنى ووظيفته التي تحدد مسار الطاقة في المنطقة الحضرية.

 

أضاف الدكتور أحمد: "تمتلك الطريقة التي تتم بها مطابقة العرض والطلب على الطاقة - من خلال التجميع أو المشاركة التعاونية - في المناطق الحضرية ذات المباني المنتجة الاستهلاكية، التأثير نفسه للبيئة المبنية على تحديد نتائج الطاقة، حيث يشمل مفهوم مجتمعات الطاقة روحًا تعاونية تدعمها المسؤولية الاجتماعية والابتكار البيئي، ويتمثل هذا في اتحاد سكان المناطق الحضرية مع المرافق العامة لتحسين استخدام الطاقة المتجددة المحلية وتقليل التأثير البيئي."

 

ركزت دراسة الحالة التي أجراها فريق البحث على المناطق الحضرية في الولايات المتحدة وكشفت عن إمكانات هذه المناظر الطبيعية العمودية التي قد تُمكّنها من تلبية احتياجاتها من الطاقة تلبيةً مستدامة، كما تتعمق الدراسة في ديناميكا الطاقة في هذه المناطق باستخدام السياقات الحضرية الحقيقية والمناخات المتباينة ونظرة متعمقة على شكل ووظيفة المباني الشاهقة، مع أخذ التكوينات المجتمعية والفردية للمباني الاستهلاكية في الاعتبار، وتقييم أدائها عبر مجموعة واسعة من المقاييس.

 

يساهم تكوين المجتمع بدور أكبر من مجرد  تعزيز الاستهلاك الذاتي للطاقة، إضافة إلى إنه يقلل من الاعتماد على الشبكات المركزية، حيث تُعتبر الآثار الاقتصادية كبيرة، وذلك نتيجة لتفوق مستوى التوفير في تكاليف الطاقة في مجتمعات المباني متوسطة الارتفاع على تلك الموجودة في مجتمعات المباني المرتفعة والذي يدعمه كل من انخفاض تكاليف إمدادات الطاقة المحلية وانخفاض مشتريات الطاقة من الشبكة.

 

تتبع المناطق الحضرية منخفضة الارتفاع مسارًا مماثلًا، حيث توفر تكوينات الطاقة المجتمعية فيها إمكانات أكبر، إلّا أن هذا لا ينفي التحدي الذي يواجه هذه المناطق فيما يتعلق بإدارة الطاقة الفائضة. ومع ذلك، تُعتبر العواقب الاقتصادية مهمة لأن النماذج المجتمعية تساعد على تجنب تكاليف الطاقة الباهظة المرتبطة بالعمليات الفردية، خاصة في البيئات التي يغلب عليها الطابع السكني.

 

ويزيد المناخ من تعقيد مشكلة الطاقة، حيث يعزز  المناخ الحار أداء جميع المناطق الحضرية، فيزيد الاكتفاء الذاتي ويؤدي في الوقت نفسه إلى تفاقم تحدي فائض الطاقة، مما يشير إلى وجود بعد إقليمي لتخطيط الطاقة المستدامة.

 

وفي هذا الصدد، قال الدكتور أحمد: "لا تُعتبر مجتمعات الطاقة في المناخ الدافئة رشيدة من الناحية البيئية فحسب، بل مفيدة اقتصاديًا، حيث يؤثر كل من الشكل المبني للبيئة ووظيفتها تأثيرًا كبيرًا على استدامة الطاقة الحضرية وتكتسب المناطق المرتفعة، بتركيبتها التجارية الكثيفة، الحد الأدنى من الفوائد من الأوضاع المجتمعية بسبب ارتفاع الطلب على الطاقة. وعلى العكس من ذلك، تزدهر إمكانية تحسين الاكتفاء الذاتي في المباني المتوسطة والمنخفضة الارتفاع الأقل كثافة، مع مزيجها المتنوع الذي يتكون من المباني السكنية والتجارية."

 

ومن جهة أخرى، لا يخلو الانتقال إلى نموذج الطاقة المجتمعية من التحديات، ولابد من التعامل بعناية مع العقبات التقنية والتجارية ويشمل ذلك الحاجة إلى دمج الشبكات الصغيرة والتفاعل المعقد بين المصالح بين المستهلكين ومشغلي الشبكات. ومع ذلك، تقدم هذه الدراسة لمحة عن الفرص والتحديات المتمثلة في إعادة تصور المناطق الحضرية المرتفعة باعتبارها أول من سيتأثر بثورة الطاقة، في الوقت الذي يفكر فيه المخططون الحضريون وصناع السياسات والجهات المعنية بالتحول نحو نماذج طاقة أكثر استدامة وتركز على المجتمع.