باحثون في جامعة خليفة يكشفون عن العوامل الاجتماعية والسياسية المؤثرة في اعتماد تكنولوجيات تحلية المياه

يعتبر موضوع نقص المياه تحدياً كبيراً على المستوى العالمي، لا سيما مع تزايد عدد السكان الذي يشكل ضغطاً على موارد المياه المحدودة. لذلك، فإن تكنولوجيا تحلية المياه هي الحل الأمثل لتلك المشكلة خاصة في ظل تطور التكنولوجيات المتعلقة بعمليات التحلية وبالتالي انخفاض تكلفتها الاقتصادية.

ترتبط تحلية المياه بمشاكل عدة منها المشكلات البيئية، وهناك عوامل أخرى غالباً ما يتم تجاهلها وهي العوامل الاجتماعية والسياسية التي تؤثر في اعتماد تكنولوجيات التحلية وانتشارها حول العالم.

وفي هذا الإطار، قام الفريق البحثي الذي ضم كل من يزن إبراهيم، مهندس بحثي ورقية إسماعيل، طالبة في برنامج الماجستير والدكتور فوزي بنات، أستاذ الهندسة الكيميائية والدكتور حسن عرفات مدير مركز الأغشية وتكنولوجيا المياه المتقدمة في جامعة خليفة وجميعهم أعضاء في مركز الأغشية، إضافة لأديتولا أوغنغبينرو، طالبة في برنامج ماجستير الهندسة الكيميائية في جامعة خليفة وتوم بانكراتز من منظمة معلومات المياه العالمية باستعراض العوامل الاجتماعية والسياسية ونشر الاستنتاجات التي خلصوا إليها في المجلة العلمية المرموقة "إلسيفيرز إنترناشيونال جرنال".

وفي تعليق له، قال يزن: "تعتبر وفرة المياه موضوعاً أساسياً في تطور الحضارة الإنسانية وازدهارها عبر التاريخ، وذلك منذ بداية حضارة بلاد ما بين النهرين إلى يومنا هذا والذي يشهد نمواً متسارعاً. ومع مرور الوقت، أدى الإسراف في استهلاك المياه وسوء إدارتها، إضافة للعديد من العوامل البيئية، إلى نضوب مصادر المياه الصالحة للاستعمال وتدهورها، والذي أثر بدوره على صحة الإنسان وظروف المعيشة وحالة الازدهار الاجتماعي والاقتصادي".

وتحظى دولة الإمارات بمصادر مياه طبيعية محدودة، والذي جعلها تعتمد على عمليات التحلية للحصول على مياه نظيفة صالحة للشرب، فهي تحصل اليوم على مياهها الصالحة للشرب من ما يزيد على 70 محطة رئيسة لتحلية المياه، والذي يغطي ما نسبته %42 من حاجات الدولة للمياه و%14 من مجموع الإنتاج العالمي، مع العلم أن مشكلة نقص المياه لا تقتصر على المناطق الجافة.

وأضاف يزن: "ساهم تطور تكنولوجيات تحلية المياه والنمو الذي شهدته منذ بداية ظهورها في زيادة إنتاج المياه بشكل أكثر استدامة من ذي قبل، حيث أدى شح مصادر المياه النظيفة في منطقة الشرق الأوسط إلى ارتفاع كبير في عدد محطات التحلية وحجمها، كما أن التطور السريع في المنطقة ساهم في زيادة الاعتماد على تحلية المياه للحفاظ على هذا التطور".

من جهة أخرى، يتأثر اعتماد تكنولوجيات التحلية وانتشارها على نطاق واسع بمجموعة من العوامل الاقتصادية والبيئية والاجتماعية والسياسية على الرغم من الفوائد المجنية من دورها في سد النقص الحاصل في مورد هو الأهم على الإطلاق.

وفي السياق، قال يزن: "تساهم تكنولوجيات التحلية في التأثير على  بعض القضايا البيئية وتفاقم حجمها كانبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري وارتفاع أسعار المياه والنمو في المناطق الحضرية والعلاقات الجيوسياسية المتحولة في مجال أمن المياه، إضافة لزيادة التلوث الكيميائي".

وقد يشكل تأسيس محطة تحلية في مناطق معينة أمراً في غاية الصعوبة، حيث ركزت إحدى الدراسات على الناحية الجمالية والشكلية والتي قد تكون عائقاً يحول دون بناء المحطات.

وفي إطار الدراسة النقدية للعوامل الاجتماعية والسياسية المؤثرة في استخدام تحلية المياه على نطاق واسع، استعان الفريق البحثي بتحليل المعايير التي تشمل نقاط القوة ونقاط الضعف والفرص والأخطار التي تهددها، حيث يتم توظيف هذا التحليل للتوصل إلى بعض الحقائق المتعلقة بنقاط القوة والضعف والفرص والأخطار المهددة لمبادرة ما أو مفهوم معين.

وقال يزن: "قمنا بتحديد العوامل الاجتماعية والسياسية من منظور اجتماعي، والذي يشمل الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، كما قمنا بتحديد ثمانية من نقاط القوة والفرص وسبعة من نقاط الضعف والمخاطر المحتملة."

وتضم مجموعة الفرص ونقاط القوة أموراً عدة تشمل لا مركزية مصادر المياه وسرعة انتشارها والانبعاثات الفيزيائية المنخفضة والناتجة عن تكنولوجيات التحلية والتي تساهم في تطور وازدهار المناطق البعيدة والمرافق السياحية، حيث توفر تحلية المياه كميات كافية من المياه عند الحاجة والذي يعزز مفهوم الأمن المائي للدولة، إضافة لدعم استقرار المنطقة من خلال تجنب الصراعات على مصادر المياه، ما يقود إلى العديد من الفرص التي تعود بالفائدة على المجتمع بفضل تلك التكنولوجيات. ومن الأمثلة على الفرص التي توفرها تكنولوجيات تحلية المياه إيجاد فرص العمل من خلال بناء محطات التحلية وإدارة العمليات فيها.

أما بالنسبة لنقاط الضعف فتشمل الآثار الشكلية والضوضاء واستخدام الأراضي، كما يؤدي الاعتماد الكبير على عمليات التحلية إلى الحصول على مياه خالية من المعادن والذي يؤثر على صحة الإنسان، حيث تحتوي المياه الطبيعية على معادن متنوعة مفيدة للجسم. أما بالنسبة للأخطار الناجمة عن التحلية فإنها تنبع من انعدام الثقة في تكنولوجيات التحلية وأسباب أخرى صناعية وطبيعية كالهجمات الإلكترونية والكوارث الطبيعية وتسرب النفط.

ويركز الفريق البحثي  في دراسته على أهمية الدور البارز الذي تؤديه تحلية المياه في تأمين الموارد المائية في الدول، والذي يعود بالفائدة المباشرة وغير المباشرة والتي تؤثر بدورها على الاستقرار السياسي وأمن المياه والنمو الاقتصادي، كما تساهم تكنولوجيا التحلية في تعزيز القطاع السياحي والزراعي وقطاع التعليم على الرغم من وجود بعض مواطن الضعف.

يذكر أنه لا بد من مراعاة مجموعة من العوامل، والتي تلعب دوراً مهماً في تحلية المياه، لا سيما إذا تعلق الأمر بالبعد الاجتماعي السياسي الذي يستدعي اتباع نهج شامل في هذا المجال.